فصل: (فرع: نية التسليم)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: نية السلام]

وأما النية في السلام: فلا يخلو: إما أن يكون إمامًا، أو مأمومًا، أو منفردًا:
فإن كان إمامًا.. فإنه ينوي بالتسليمة الأولى ثلاثة أشياء: الخروج من الصلاة، والسلام على الحفظة، وهم الملائكة، والسلام على المأمومين عن يمينه.
وينوي بالتسليمة الثانية شيئين: السلام على الحفظة، وعلى من على يساره من المأمومين.
وإن كان مأمومًا عن يسار الإمام.. نوى بالتسليمة الأولى أربعة أشياء: الخروج من الصلاة، والسلام على الحفظة، والرد على الإمام، والسلام على المأمومين عن يمينه.
وينوي بالتسليمة الثانية شيئين: السلام على الحفظة، وعلى من على يساره من المأمومين.
وإن كان عن يمين الإمام.. نوى بالأولى ثلاثة أشياء: الخروج من الصلاة، والسلام على الحفظة، وعلى المأمومين عن يمينه.
ونوى بالثانية ثلاثة أشياء: السلام على الحفظة، والسلام على المأمومين عن يساره، والرد على الإمام..
وإن كان الإمام محاذيًا له.. نوى الرد عليه في أي التسليمتين شاء.
وإن كان منفردًا.. نوى بالتسليمة الأولى شيئين: الخروج من الصلاة، والسلام على الحفظة.
ونوى بالثانية: السلام على الحفظة، لا غير.
والدليل عليه: ما روى سمرة قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نسلم على أنفسنا، وأن يسلم بعضنا على بعض».
وروى علي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي قبل الظهر أربعًا، وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعًا، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين، والنبيين، ومن معهم من المؤمنين».
قال الجويني: وتكون نية الخروج ممتزجة بالسلام، ولا يجب ما سوى نية الخروج.
وفي نية الخروج وجهان:
أحدهما: - وهو قول أكثر أصحابنا، وهو ظاهر النص -: أنها واجبة؛ لأنه ذكر في أحد طرفي الصلاة، فوجبت مقارنة النية له، كتكبيرة الإحرام.
والثاني - وهو قول أبي حفص بن الوكيل، وأبي عبد الله ختن الإسماعيلي -: أنها غير واجبة، وإليه أشار الشيخ أبو حامد؛ لأن نية الصلاة قد اشتملت على جميع أفعالها، وأقوالها، فلا معنى لإعادة النية، ولأن نية الخروج لو وجبت.. لوجب تعيين الصلاة التي يخرج منها، كنية الإحرام.

.[فرع: نية التسليم]

إذا سلم من الظهر، ونوى الخروج من العصر، فإن قلنا: إن نية الخروج واجبة.. بطلت صلاته، وإن قلنا: لا تجب.. لم يضره ذلك، كما لو شرع في الظهر، وظن في الركعة الثانية أنه في العصر، ثم تذكر في الثالثة أنه في الظهر.. لم يضره ذلك.

.[مسألة:الدعاء بعد الصلاة]

ويستحب للإمام وغيره إذا فرغ من الصلاة أن يدعو.
قال الشافعي: (وأحب أن يخفت صوته، ويسمع به نفسه، ولا يجهر، إلا أن يكون إماما، فيريد أن يتعلم الناس منه، فيجهر به حتى يعلم أنهم تعلموا، ثم يخفت؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]. يعني: لا تجهر بدعائك، ولا تخفت حتى لا تسمع نفسك).
وقد روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما فرغ من صلاته مكث قليلاً، وانصرف».
وروى ابن الزبير: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا سلم من الصلاة يقول بصوته الأعلى: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبد إلا إياه، وله النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون».
وروى معاوية: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقوم بعد السلام: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
وروى ثوبان: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن ينصرف من الصلاة.. استغفر ثلاث مرات، ثم قال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام».
وروي: «أنه كان يقول: سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين».
فتحمل رواية من روى أنه دعا وجهر: على أنه أراد بذلك ليتعلم الناس، وتحمل رواية من روى أنه مكث قليلاً، ثم انصرف: على أنه دعا سرًا، بحيث يُسمع نفسه.

.[فرع: انتظار خروج النساء]

قال الشافعي: (ويَثْبُتُ ساعةَ يُسَلِّم، إلا أن يكون معه نساء فيلبث؛ لينصرفن قبل الرجال).
وجملة ذلك: أنه إذا كان خلف الإمام رجال ونساء.. فالمستحب له إذا سلم: أن يقف في مكانه ساعة، بقدر ما لو خرج سرعان الرجال.. لم يلحقوا النساء؛ لما روت أم سلمة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا سلم من الصلاة.. انصرف النساء حين يقضي سلامه، ويمكث في مكانه يسيرًا». قال الزهري: أرى ذلك؛ لئلا يلحق الرجال بالنساء.
وإن كان خلفه رجال، ولا نساء معهم.. استحب له أن يثبت ساعة يسلم، ولا يقف؛ لمعنيين:
أحدهما: أنه إذا ثبت في مكانه، ربما وقع عليه السهو أنه سلم أم لا؟
والثاني: ربما دخل داخل، فيظن أنه في السلام، فيدخل معه في الصلاة، فإن لم يثبت.. فالأولى للمأمومين أن يقفوا معه؛ لكي يتذكر سهوًا، فيتبعونه.
قال أصحابنا: ويستحب للإمام والمأموم إذا قضى فرضه، أن يصلي النافلة في بيته؛ لما روى أسامة بن زيد: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة». وهذا مع قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا».
وروى ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورًا».

.[فرع: الانصراف من الصلاة]

فإذا أراد أن ينصرف، فإن كانت له حاجة.. توجه في جهتها، سواء كانت يمينًا أو شمالاً؛ لما روى أبو هريرة: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوجه يمينًا وشمالاً).
وروى ابن مسعود: (أن أكثر انصراف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات الشمال؛ لأن منازله كانت ذات الشمال).
وإن لم يكن للمصلي غرض ولا حاجة.. فالمستحب له: أن ينصرف ذات اليمين؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب التيامن في كل شيء، حتى في طهوره، وانتعاله». هكذا ذكر أصحابنا البغداديون، ويريدون بذلك: الانصراف في الجهات، عند الخروج من المسجد.
وأما صاحب "الإبانة" [ق \ 67] فقال: تفسير الانصراف عن اليمين عند أكثر أصحابنا: أن يفتل يده اليسرى، ويجلس على الجانب الأيمن من المحراب.
وقال القفال: الانصراف عن اليمين هو: أن يفتل يده اليمنى، ويجلس على الجانب الأيسر من المحراب، كما قلنا في الطائف: أنه يبتدئ من الحجر، وتكون يده اليسرى إلى الكعبة، واليمنى إلى الناس.

.[مسألة:القنوت في الصلاة]

والسنة: أن يقنت في صلاة الصبح عندنا في جميع الدهر، وبه قال مالك، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، ورواه الشافعي عن الخلفاء الأربعة، وأنس.
وذهب الثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه إلى: (أنه غير مسنون في الصبح)، وروي ذلك عن ابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وأبي الدرداء.
وقال أبو يوسف: إذا قنت الإمام.. فاقنت معه.
وقال الإمام أحمد: (القنوت للأئمة، يدعون للجيوش، فإن ذهب إليه ذاهب.. فلا بأس).
ودليلنا: ما روى أبو داود في " سننه "، «عن أنس: أنه سئل: هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقنت في الصبح؟ قال: نعم، فقيل له: قبل الركوع، أو بعده؟ فقال: بل بعد الركوع».
وفي رواية عن أنس: «ما زال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقنت في صلاة الصبح، حتى فارق الدنيا». أخرجه الدارقطني.
إذا ثبت هذا: فإن محل القنوت في الصبح عندنا، بعد الركوع في الثانية، وبعد ما يقول: سمع الله لمن حمده.... إلى آخره.
وذهب مالك، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، إلى: (أن محله قبل الركوع).
ودليلنا: حديث أنس الذي مضى.
وأما صفة القنوت: قال الشافعي: فأحب أن يقنت بالثمان الكلمات المنقولة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت وتعاليت»؛ لما روي عن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنه قال: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت».... ". وذكر الكلمات الثمان. وإن كان إمامًا.. قال: اللهم اهدنا... إلى آخره.
قال أصحابنا: وقد زاد بعض أهل العلم: ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك.
قال الشيخ أبو حامد: وهو حسن.
وقال القاضي أبو الطيب: قوله: ولا يعز من عاديت. ليس بحسن؛ لأنه لا يضاف العداوة إلى الله تعالى.
قال ابن الصباغ: ومثل ما قالوه قد جاء في القرآن، وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98]. ولا بأس بهذه الألفاظ.
قال الشيخ أبو إسحاق: وإن قنت بما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.. كان حسنًا.
وذكر الشيخ أبو نصر: أن مالكًا اختار القنوت في الصبح بالمروي عن عمر، وهو ما روى أبو رافع: أن عمر قنت في الصبح بعد الركوع، فسمعته يقول: (اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ولا نكفرك، ونؤمن بك، ونخلع من يفجرك - أي: يعصيك، ويخالفك - اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكفار ملحق. اللهم عذِّب الكفرة كفرة أهل الكتاب، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسولك، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم: إله الحق، واجعلنا منهم).
قوله: (نحفد) أي: نخدم، والحفد: الخدمة، ومنه قَوْله تَعَالَى: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72]. قيل: الحفدة: الخدم.
وقوله: (ملحق) أي: لاحق.
ويستحب أن يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد القنوت؛ لما روي في حديث الحسن: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: تباركت وتعاليت، وصلى الله على النبي وسلم».
وهل يستحب رفع اليدين في القنوت؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق -: أن ذلك غير مستحب؛ لـ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يرفع يديه إلا في الاستسقاء، والاستنصار، وعشية عرفة).
والثاني: أن ذلك مستحب، وهو قول أكثر أصحابنا؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواضع: عند رؤية البيت، وعلى الصفا، والمروة، وفي الصلاة، وفي الموقف بعرفة، وعند الجمرتين».
وروي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (أنه كان يرفع يديه حتى يبدو ضبعاه).
وعن ابن مسعود، وابن عباس: (أنهما كانا يرفعان أيديهما إلى صدورهما).
فعلى هذا: يستحب أن يمسح يديه على وجهه عند الفراغ من الدعاء؛ لما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا دعوت.. فادع الله ببطون كفيك، ولا تدع بظهورهما، فإذا فرغت.. فامسح راحتيك على وجهك».
قال ابن الصباغ: ولا يمسح بيديه على غير وجهه من جميع بدنه، فإن فعل ذلك كان مكروهًا.
قال في "الإبانة" [ق 77] وهل يجهر بالقنوت، أو يسر به؟ فيه وجهان.
وقال البغداديون من أصحابنا: يجهر به.
وإذا قنت الإمام.. فهل يقنت المأموم، أو يؤمن؟
قال ابن الصباغ: لا يحفظ فيه نص للشافعي، غير أنه قال: (إذا مرت به آية رحمة، سألها، وكذلك المأموم). فشرك بينهما في الدعاء، فينبغي ها هنا مثله.
وروى ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدعو، ويؤمن من خلفه» وهذا يدل على أنه يؤمن، ولا يدعو.
قال: فينبغي أن يكون المأموم - ها هنا - بالخيار بين أن يدعو، وبين أن يؤمن؛ لأن التأمين دعاء.
قال: وقد قال بعض أصحابنا: يؤمن المأموم على الدعاء، ويشاركه في الثناء. ولم يذكر الشيخ أبو إسحاق غير هذا.
وأما سائر الصلوات غير الصبح: فإن نزل بالمسلمين نازلة.. جاز القنوت فيها؛ لما روى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يقنت، إلا أن يدعو لأحد، أو يدعو على أحد».
وإن لم تنزل بالمسلمين نازلة.. فهل يجوز القنوت فيها؟ فيه قولان حكاهما الشيخ أبو حامد:
أحدهما: يجوز؛ لأنه قد روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قنت في جميع الصلوات».
والثاني: لا يجوز، وهو الصحيح؛ لـ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قنت فيها لنازلة)، وهي: أن قومًا قتلوا أصحابه، أهل بئر معونة، فكان يدعو عليهم، ثم أسلموا فترك مسألة ذلك.
إذا ثبت ما ذكرناه: فالصلاة تشتمل على أركان، ومسنونات، وهيئات، وشرائط.
فالشرائط: ما تتقدم الصلاة، وهي خمس متفق عليها، والسادسة مختلف فيها.
فأما الخمس المتفق عليها: فهي: الطهارة عن حدث، وستر العورة، والطهارة عن النجس: في الثوب، والبدن، والمكان، والعلم بدخول الوقت بيقين، أو غلبة الظن، واستقبال القبلة.
والسادسة: النية، وفيها وجهان:
الأول: من أصحابنا من قال: إنها من الشرائط.
والثاني: منهم من قال: إنها من الأركان، هذه طريقة أصحابنا البغداديين.
وقال الخراسانيون: في استقبال القبلة أيضًا وجهان، كالنية.
الصحيح: أن النية من الأركان، وأن استقبال القبلة من الشرائط.
وأما الأركان: فكل ما كان واجبًا في أثناء الصلاة.
وكل ركن شرط؛ لأن الصلاة لا تصح إلا به. وليس كل شرط ركنًا؛ لأن الشرائط ما وجبت خارج الصلاة.
قال أصحابنا: ففي الركعة الأولى من كل صلاة واجبة أربعة عشر ركنًا:
تكبيرة الإحرام، والنية على قول من يجعلها ركنًا، والقيام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والطمأنينة فيه، والرفع من الركوع، والطمأنينة فيه، والسجدة الأولى، والطمأنينة فيها، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فيه، والسجدة الثانية، والطمأنينة فيها، هذه طريقة أصحابنا البغداديين.
وقال الخراسانيون: في السجدة الثانية وجهان:
الصحيح: أنها ليست بركن؛ لأنها متكررة.
وأما الركعة الثانية: ففيها اثنا عشر ركنًا على طريقة البغداديين؛ لأنه تسقط منها النية، وتكبيرة الإحرام، وكذلك في الثالثة والرابعة.
وفي الجلوس الأخير خمسة أركان: الجلوس، والتشهد فيه، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه، والتسليمة الأولى، ونية الخروج من الصلاة، على قول من يوجبها.
وزاد الشيخ أبو إسحاق ركنًا مع ذلك كله، وهو: ترتيب أفعالها، على ما ذكرناه. فيكون في الصلاة الرباعية: ستة وخمسون ركنًا، وفي الثلاثية: أربعة وأربعون ركنًا، وفي الصبح: اثنان وثلاثون ركنًا.
فإن قلنا: إن الصلاة على آل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واجبة.. زاد في عدد أركان كل صلاة ركناً، وقد يختصر، فيقال: في الركعة الأولى تسعة أركان، وتجعل الطمأنينة صفة للركن.
وأما المسنونات في الصلاة - وقد يسميها بعض أصحابنا: الأبعاض - وهي التي تجبر بالسجود: فهي أربعة:
الجلوس الأول، والتشهد فيه، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه، على القول الذي يقول: إنه سنة فيه، والقنوت في الصبح.
وأما الهيئات: فهي ما عدا ذلك، والفرق بين المسنونات والهيئات: أنه إذا أتى بالهيئات.. أكمل صلاته، وإن تركها.. لم يسجد للسهو.
وإذا ترك شيئًا من المسنونات.. نقصت صلاته، وجبرها بسجود السهو. هذه عبارة أكثر أصحابنا.
وأما الشيخ أبو إسحاق: فعد ما ليس بركن في الصلاة من المسنونات.
ولا فائدة في هذا الاختلاف إلا في التسمية. وبالله التوفيق.

.[باب صلاة التطوع]

أفضل أعمال البدن - بعد الشهادة -: الصلاة؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» فجعل الصلاة بعد الشهادة، فدل على أنها أفضل من غيرها.
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «استقيموا، واعلموا: أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن».
وتطوعها أفضل التطوع، كما أن فرائضها أفضل الفرائض.
وتطوعها ضربان: ضرب تسن له الجماعة، وضرب لا تسن له الجماعة.
فما تسن له الجماعة: صلاة العيدين، والكسوف، والاستسقاء، وهذا الضرب أفضل مما لم تسن له الجماعة؛ لأن ما تسن له الجماعة أشبه بالفرائض، وأفضل ذلك صلاة العيدين؛ لأنها راتبة بوقت، فهي بالفرائض أشبه، ولأنه مختلف في وجوبها، ثم تليها صلاة الكسوف، لأن القرآن دل عليها، ولأنها أكثر عملاً من صلاة الاستسقاء، ولأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يدع صلاة الكسوف عند وجود سببها، وقد كان يستسقي تارة، ويدع أخرى، ولأن صلاة الكسوف خالصة لله تعالى، وصلاة الاستسقاء لطلب الرزق، وأجمع المسلمون على كون صلاة الكسوف سنة، واختلفوا في كون صلاة الاستسقاء سنة.
وأما ما لا تسن له الجماعة فضربان: راتبة بوقت، وغير راتبة بوقت.
فأما الراتبة بوقت: فمنها: السنن الرواتب مع الفرائض.
واختلف أصحابنا في عددها: فمنهم من قال: هي عشر ركعات غير الوتر.
قال الشيخ أبو إسحاق: وذلك أدنى الكمال، وهي: ركعتان قبل الصبح، وركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء؛ لما روي «عن ابن عمر: أنه قال: صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل الظهر سجدتين وبعدها سجدتين، وبعد المغرب سجدتين، وبعد العشاء سجدتين»، وحدثتني حفصة بنت عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي سجدتين خفيفتين، إذا طلع الفجر».
ومنهم من قال: هي ثمان ركعات غير الوتر، وهو المنصوص في " البويطي "، فنقص مما قال في الأول سنة العشاء، وهو اختيار الخضري من أصحابنا، أنه لا سنة للعشاء.
ومنهم من قال: هي اثنتا عشرة ركعة غير الوتر، وزاد على ما قال الأول ركعتين قبل الظهر، وهو اختيار الشيخ أبي حامد؛ لما روت عائشة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ثابر على اثنتي عشرة ركعة.. بنى الله له بيتًا في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر».
ومنهم من قال: هي ثمان عشرة ركعة غير الوتر، وهو قول أبي علي في "الإفصاح".
قال الشيخ أبو إسحاق: وهو الأكمل، وهي: ركعتان قبل الصبح، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء؛ لحديث ابن عمر، وأربع قبل الظهر، وأربع بعدها؛ لما روت أم حبيبة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من حافظ على أربع قبل الظهر، وأربع بعدها.. حرم على النار». وأربع قبل العصر؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعًا».
وروى علي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي قبل العصر أربع ركعات، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين، ومن معهم من المؤمنين».
وأما قبل المغرب: قال أبو علي في "الإفصاح": وروى عبد الله بن بريدة، عن عبد الله المزني، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء؛ خشية أن يتخذها الناس سنة»، فدل على أن ذلك جائز.
قال ابن الصباغ: وروي عن أنس: أنه قال: «صليت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل لأنس: رآكم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم، رآنا، فلم يأمرنا، ولم ينهنا».
وقال طاووس: سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: ما رأيت أحدا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصليهما.
والسنة في الأربع قبل الظهر وبعدها، وفي الأربع قبل العصر: أن يسلم من كل ركعتين؛ لما ذكرناه من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ويدخل وقت هذه السنن - التي تفعل قبل الفرض - بدخول وقت الفرض، ويكون ذلك وقت الاختيار لها، فإذا فعل الفرض.. ذهب وقت الاختيار لها، وبقي وقت الجواز لها إلى خروج وقت الفرض.
ومن أصحابنا من قال: يبقى وقت سنة الفجر إلى الزوال، وهو ظاهر النص، والأول أظهر.
وما يفعل من هذه السنن بعد الفرض، يدخل وقتها بالفراغ من الفرض، ولأنها تابعة للفرض.